الجمعة، 19 فبراير 2016

تِـ بـ غُ الـ نَّـ مـلـة

حبيبتـي
سمعتُ لهـا، ولا زلتُ، كلّما هممتُ بها، وبيَّ همّت، فرقعات كالوشوشة، رأيتُ فيهـا، في ثوبها الشفّاف لحظةَ ينزاح احتراقًا، بياضًا يتفضّض، بياضَ عباءات الحجيج إذ يدْفعُه، بيدٍ حانيّة، رماديّ معاطِفِ الشيوعيين، بينهما رأيتُ سوادًا ذا هالةٍ بلون البنّ، حلقةً لا شيوعيّة ولا مؤمنـة، حلقةً تردّ، في زحفِها، بياض المؤمنين عن بياضِه، يترمّد الكلّ ويسّاقطُ مثلَ هشيم يتفتّت، خلوتي بها، بحبيبتي، دفعتُ ودفَعَت، لقاءها، شهداءً وشهداء...
التقيتها فأبْكَرتُ، في ذلك العمر الذي لم يكُن يقزّزُنـا أن نرى في حواف العيون قذًى فستقيّ اللون، ولا يعيب الواحدُ منّا إن غزَى رأسَه صئبانٌ يشحبُ عليه سوادُ الشعر، عرفتها أيّامَ كانت لها رائحةُ اللوز ومذاقُ لحم الجديان، حافيًا ألفتني ومهجورةً لمحتها، ورُحنا، مذّاك، نكتُبُ نصّنـا، سِفرَنا بصفحاته السوداء وتلك التي كتِبت بياضًا، خاصمتُها مرّات لستُ أعرِفُ أظالمًا كنتُ أم دافعًا لظُلم، هجرتها وعدت، وفي كلّ عودة كانت حبيبتي كانت فرقعاتها كانت جموعُ الشهداء مؤمنوهم وشيوعيّوهم، كانت جمرتُهـا هي هي فصّ رمّان من أرضِ الجنّ، كانت بعطرِهـا وقد التصقَ بملابسي والأنفاس ورائحة العرَق...
وقفتي، أصيل يوم ديسمبري، 2006، شارِع العربي بن مهيدي، وهران، كانت قد مضت خمس سنوات من هجراني حبيبتي، تعلو باب إحدى الأكشاش لافتة، قرأتُهـا، تهجيّتها، عقدتُ ما بين حاجبيّ، لستُ أستطيعُ، الآن، تذكّر المشاهد التي عبرت ذهني لحظتها، لكنّها كانت حاضرة، بوعد، بعهد، بوعيد، باشتياق وحنين، اقتربتُ من اللافتة المستطيلة الصفراء يحوطها شريط أحمر، رفعتُ رأسي إليها وأنا أعتِب الكشك دخولاً، وفي عتبي، وأنا أخرج، كنتُ قد بدأتُ، وإيّاها، طقوس الحبّ، طقوس العشق، التفتّ إلى اللافتة مرّةً أخرى وتهجّيتُ "تِـ بـ غُ الـ نَّـ مـلـة"...نعم حبيبتي هكذا، تحملُ روحُها كلاّبتين...
أطبقتُ، ليلـةَ أمـس، السِّفـرَ...أطبقتُـه...وكفـى...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق