الخميس، 11 فبراير 2016

ألوان

مغرمٌ، مُذ كنت، بلعبـةِ الألـوان حدّ الهوَس، تتبّعتُهـا في لوحات الرسّاميـن فانتهيتُ إلى مللِهـا، في النصوص والقصائـد فبدا لي كثيرُهـا مبتذلاً حدّ السذاجـة، أمّا في حقولِ وبساتيـن المتّيجـة فلم تشـأ، هذه الألوان، بكلّ أطيافها والدفء والصقيع، بتناغمها مرّة ونشازها أخرى على عباءات الثعابين والحرابيّ، بطون الضفادع وحلَمات الأناثي من الخنازير، توت الأرض في التربة الرملية، لِحاء الصفصاف والزرابي الطحلبيّة تفترِشُ البِـرَك الآسِنـة، قطعُ الفحم تلتصقُ بأرغفةٍ خارجـةٍ لتوّهـا من الفرن الطينيّ، شعرات سوداء تطعنُ، على أديم الحليب، فقاعات تأبى أن تنفجِر، كلّ هذه المشاهد اللونية أبت إلاّ ان تظلّ على طفولتِهـا وأنشودة "ما أجملَ الجوّ هنـا"، ثمّ، وسنـة، من سنيّ عمري، تقتفي أثرَ الأخـرى، وجدتُ نفسي، ولأسباب بالغة الغموض، أضيّق زاويـةِ اللعبـة وأحاصِرُهـا في استدارات الوجوه، يملؤني شعورٌ كالظّفَـر. هُنـا، في الوجوه، تململت الألوان وصارت ذات حيـاةٍ، ذاتُ شطحـاتٍ ورعشـة، أعجِبـتُ بغنجها، غنجُ جاريـةٍ خلفَ قضبان لا مرأية، لمستُ، هناك في الوجوه، أحمرًا، أصفرًا، أسودًا، أبيضًا، ازرقًا، حمرًا وحمراوات، صفرًا وصفراوات، سودًا وسوداوات، بيضًا وبيضاوات، زرقًا وزرقاوات، عيناي، قبل هذا، كانت ألوانها لا تُخاتِل، وإن خاتَلَت فبطريقة مفضوحـة، خلافَ ألوان الوجوه، تخاتِل وتكسَب، تنفضِح إلاّ لحظة تشاء ذلك، الأحمرُ من الوجوهِ مِنـهـا السعيـد، الخائف، المنتشي، السقيم، الديّوث، الحسود، السكران، والأزرقُ منها ما هو ميّت، ومن في لحظـةِ مخاض، الزرقةُ أيضًا، وإن أتَت ومضيـة، تمرّ كسحابةِ على وجهيّن يباشِران آخرَ مراحِلَ المضاجعة، الأزرق يكسو أيضًا، بسرعة الضوء، وجهَ من فاجأه السعيد من الأخبار، أمّا الألوان ممّا لم أذكُـر فالصحفُ تضيقُ عن حملِهـا والأقلام تجفّ ولمّا تسعَـد بتعداد شطحاتِهـا، هكذا هي الألوان في الوجوه وهكذا بدت لي...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق