الخميس، 19 مايو 2016

جولـةٌ مسائيّـة


الأنوارُ عديدةُ الألوان والأحجام، وكثيـرةٌ، كالنّجوم، يستحيلُ عدّهـا، حمراءٌ ترتدّ على وجـهٍ أبيض فتردّ لونَـه إلى سُمرة، وصفراءُ تقلِبُ من كان أسمرًا من الوجوه إلى الأبيض، خضراءٌ سالت بلونها على فستانٍ أبيض، ورأيتُ، بعد هذه وتلك، أنوارٌ مغبّشـة فعلت أن شوّهت وجوهًـا كانت ستكون جميلةً في غير هذا المكان. كنتُ أنقُلُ خطواتي في الشارع المكتظّ، أتنسّمُ عبيرًا ضمّخته روائحُ عطرٍ أخّـاذ مرّة، ومرّة تنفذُ إلى منخريّ، برغمٍ عن أنفي، روائحُ عطنة لتعرّق الأجساد وطولِ ارتداء الأحذية والجوارب، رأيتُ جمَـالاً ما عتم أن قطعه القبح وصادفتُ هسيسًا ما انفكّ أن أخرسَـهُ الصراخ، بيعٌ وشراءٌ ومماحكة، صوتُ قطع نقدية تُفلتُ على سطح طاولةٍ صلب وخشخشةُ أوراقٍ تعدّها، خِلسةً، يدٌ خشنـة يملأهـا الشَّعـر.
في الشارِع، شارع الـ20 متر بالبليدة، لا تكادُ ترى سوى الأثرياء وسيّاراتهم الألمانيـة، احتكروه، أظنّنـي على شيء من الضيم بهذه الـ"احتكروه"، فلقد لفظ الشارعُ الفقراء بأن عرَض باعته ما يطلبُه الأثرياء دون سواهم، ولمّا كنتُني أقربُ إلى الفقراء منهم إلى الفريق الثاني وجدتُنـي أمرّ عليه مرورًا سريعًـا، أنظـرُ إلى واجهات بلون اللؤلؤ، ملابسٌ لا أكاد أنظرُ لليها إذا جعلني الرقم المعلّق بها أعمـى أو شِبهَـه، وساعـة بلغـتُ الأزقّـة القديمـة، بلاصة النصارى وبلاصة العرب، عدتُ إلى عفويتي وعادت إليّ، أحمـلُ هذا السروال وأفاكِـه هذا البائـع حول نوعيّـة ذاك الحذاء، أماحك وأبالغ في المماحكـة، أضحك بصخب وأتكلّـمُ دون أن أحسبَ حسابًـا....هـذا هو مكانـي، قلتُ في نفسي، وأنـا أقفـلُ عائدًا إلى البيت...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق